.قَوْلُهُ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآية. [51].
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ. نَزَلَتْ حِينَ غَارَ بَعْضُ نساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم وَآذَيْنَهُ بِالْغَيْرَةِ وَطَلَبْنَ زِيَادَةَ النَّفَقَةِ، فَهَجَرَهُنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم شَهْرًا حَتَّى نَزَلَتْ آية التخيير، وأمره اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَأَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَ مَنِ اخْتَارَتِ الدُّنْيَا وَيُمْسِكَ. مِنْهُنَّ مَنِ اخْتَارَتِ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَرَسُولَهُ، عَلَى أَنَّهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يُنْكَحْنَ أَبَدًا، وَعَلَى أَنْ يُؤْوِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيُرْجِيَ مِنْهُنَّ. إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ، فَيَرْضَيْنَ بِهِ، قَسَمَ لَهُنَّ أَوْ لَمْ يَقْسِمْ، أَوْ فَضَّلَ بَعْضَهُنَّ عَلَى بَعْضٍ بِالنَّفَقَةِ وَالْقِسْمَةِ وَالْعِشْرَةِ، وَيَكُونَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إِلَيْهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَرَضِينَ بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَكَانَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مَعَ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ التَّوْسِعَةِ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْقِسْمَةِ.- أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُزَكِّي، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يُوسُفَ السَّقَطِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بَعْدَ مَا نَزَلَتْ:
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} يَسْتَأْذِنُنَا إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا. قَالَتْ مُعَاذَةُ: فَقُلْتُ مَا كُنْتِ تَقُولِينَ؟ قَالَتْ: كُنْتُ أَقُولُ: إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُؤْثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي.رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ حِبَّانَ بْنِ مُوسَى عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبَّادٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَاصِمٍ.- وَقَالَ قَوْمٌ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ التَّخْيِيرِ أَشْفَقْنَ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ فَقُلْنَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، اجْعَلْ لَنَا مِنْ مَالِكَ وَنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، وَدَعْنَا عَلَى حَالِنَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.- أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدَانَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ نُعَيْمٍ، قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب الأخرم قال: حدَّثنا محمد بن عبد الوهاب، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَاضِرُ بْنُ الْمُوَدِّعِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ لنساء النبي صلى اللَّه عليه وسلم: أَمَا تَسْتَحِي الْمَرْأَةُ أَنْ تَهَبَ نَفْسَهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَرَى رَبَّكَ يُسَارِعُ لَكَ فِي هَوَاكَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ.
.قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية. [53].
- قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: لَمَّا بَنَى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بِتَمْرٍ وَسَوِيقٍ وَذَبَحَ شَاةً. قَالَ أَنَسٌ: وَبَعَثَتْ إِلَيْهِ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ بِحَيْسٍ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ، فأمرني النبي صلى اللَّه عليه وسلم أَنْ أَدْعُوَ أَصْحَابَهُ إِلَى الطَّعَامِ. فَدَعَوْتُهُمْ فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَجِيئُونَ فيأكلون ويخرجون ثُمَّ يَجِيءُ الْقَوْمُ فَيَأْكُلُونَ وَيَخْرُجُونَ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ دَعَوْتُ حَتَّى مَا أَجِدُ أَحَدًا أَدْعُوهُ، فَقَالَ:
«ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ»، فَرَفَعُوا فَخَرَجَ الْقَوْمُ وبقي ثلاثة نفر يَتَحَدَّثُونَ فِي الْبَيْتِ فَأَطَالُوا المكث وتأذى بهم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وَكَانَ شَدِيدَ الْحَيَاءِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَضَرَبَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَهُ سِتْرًا.- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْحِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ مُجَاشِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ النَّرْسِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
«لَمَّا تزوج النبي صلى اللَّه عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ دَعَا الْقَوْمَ فَطَعِمُوا ثُمَّ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ، قَالَ: فَأَخَذَ كَأَنَّهُ يَتَهَيَّأُ لِلْقِيَامِ فَلَمْ يَقُومُوا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَامَ وَقَامَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ قَامَ، وَقَعَدَ ثَلَاثَةُ. نَفَرٍ وإن النبي صلى اللَّه عليه وسلم جَاءَ فَدَخَلَ فَإِذَا الْقَوْمُ جُلُوسٌ. فَرَجَعَ وَإِنَّهُمْ قَامُوا وَانْطَلَقُوا فَجِئْتُ فأخبرت النبي صلى اللَّه عليه وسلم أَنَّهُمْ قَدِ انْطَلَقُوا، قَالَ: فَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ. قَالَ: وَذَهَبْتُ أَدْخُلُ فَأَلْقَى الْحِجَابَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّه تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} الآية إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَبِيبٍ الْحَارِثِيِّ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُعْتَمِرِ.- أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاعِظُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ نُجَيْدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْخَلِيلِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، إِذْ مَرَّ عَلَى حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهِ فَرَأَى فِيهَا قَوْمًا جُلُوسًا يَتَحَدَّثُونَ، ثُمَّ عَادَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ دُونِي، فَجِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ كُلَّهُ فَقَالَ: لَئِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا لَيُنْزِلَنَّ اللَّه تعالى فِيهِ قُرْآنًا، فَأَنْزَلَ اللَّه تعالى:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية.- أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ، قال: حدَّثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الْحِجَابِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ.- أَخْبَرَنَا أَبُو حَكِيمٍ الْجُرْجَانِيُّ فِيمَا أَجَازَنِي لَفْظًا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ الْقَاضِي قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ لَيْثٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كَانَ يَطْعَمُ وَمَعَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَأَصَابَتْ يَدُ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَدَ عَائِشَةَ وَكَانَتْ مَعَهُمْ، فكره النبي صلى اللَّه عليه وسلم ذَلِكَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ.
.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا}... [53].
- قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ سَادَةِ قُرَيْشٍ: لَوْ تُوُفِّيَ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لَتَزَوَّجَتْ عَائِشَةُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَنْزَلَ.
.قوله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية. [56].
- أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو النَّيْسَابُورِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْمُؤَمَّلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن أَبِي لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: قيل للنبي صلى اللَّه عليه وسلم: قَدْ عَرَفْنَا السَّلَامَ عَلَيْكَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ فَنَزَلَتْ:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.- أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمْدَانَ الْعَدْلُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى الْوَشَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الرِّيَاشِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَهْدِيَّ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ، وَثَنَّى بِمَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. آثره صلى اللَّه عليه وسلم بِهَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الرُّسُلِ، وَاخْتَصَّكُمْ بِهَا مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ، فَقَابِلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ بِالشُّكْرِ.- سَمِعْتُ الْأُسْتَاذَ أَبَا عُثْمَانَ الْحَافِظَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الْإِمَامَ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ يَقُولُ:هَذَا التَّشْرِيفُ الَّذِي شَرَّفَ اللَّهُ تَعَالَى به نبينا محمدًا صلى اللَّه عليه وسلم بِقَوْلِهِ:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} أَبْلَغُ وَأَتَمُّ مِنْ تَشْرِيفِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَمْرِ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ فِي ذَلِكَ التَّشْرِيفِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ، ثُمَّ عَنِ الْمَلَائِكَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَتَشْرِيفٌ صَدَرَ عَنْهُ أَبْلَغُ مِنْ تَشْرِيفٍ تَخْتَصُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ غَيْرِ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ.وَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ سَهْلٌ مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِ الْمَهْدِيِّ، وَلَعَلَّهُ رَآهُ وَنَظَرَ إِلَيْهِ فَأَخَذَهُ مِنْهُ وَشَرَحَهُ، وَقَابَلَ ذَلِكَ بِتَشْرِيفِ آدَمَ، فَكَانَ أَبْلَغَ وَأَتَمَّ مِنْهُ.- وَقَدْ ذُكِرَ فِي الصَّحِيحِ مَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَارِسِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عَمْرَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، قال:
«من صلى عَلَيَّ مَرَّةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا».
.قَوْلُهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}.... [43].
- قَالَ مُجَاهِدٌ: لَمَّا نَزَلَتْ:
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}...الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا أَعْطَاكَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَيْرٍ إِلَّا أَشْرَكَنَا فِيهِ، فَنَزَلَتْ: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ الآية.
.قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا...} الآية. [58].
- قَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَارِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ مُتَبَرِّجَةً فَضَرَبَهَا وَكَرِهَ مَا رَأَى مِنْ زِينَتِهَا، فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا تَشْكُو عُمَرَ فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَآذَوْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.- وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُؤْذُونَهُ وَيُسْمِعُونَهُ.- وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي الزُّنَاةِ الَّذِينَ كَانُوا يَمْشُونَ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ يَتْبَعُونَ النِّسَاءَ إِذَا بَرَزْنَ بِاللَّيْلِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِنَّ، فَيَرَوْنَ الْمَرْأَةَ فَيَدْنُونَ مِنْهَا فَيَغْمِزُونَهَا، فَإِنْ سَكَتَتِ اتَّبَعُوهَا، وَإِنْ زَجَرَتْهُمُ انْتَهَوْا عَنْهَا، وَلَمْ يَكُونُوا يَطْلُبُونَ إِلَّا الْإِمَاءَ، وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ تُعْرَفُ الْحُرَّةُ مِنَ الْأَمَةِ، إِنَّمَا يَخْرُجْنَ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ. فَشَكَوْنَ ذَلِكَ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.الدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا قوله تعالى:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الآية.- أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْفَقِيهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قال: كانت النساء المؤمنات يَخْرُجْنَ بِاللَّيْلِ إِلَى حَاجَاتِهِنَّ، وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ وَيُؤْذُونَهُنَّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.- وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَتِ الْمَدِينَةُ ضيقة المنازل، وكانت النِّسَاءُ إِذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجْنَ يَقْضِينَ الْحَاجَةَ، وَكَانَ فُسَّاقٌ مِنْ فُسَّاقِ الْمَدِينَةِ يَخْرُجُونَ، فَإِذَا رَأَوُا الْمَرْأَةَ عَلَيْهَا قِنَاعٌ قَالُوا: هَذِهِ حُرَّةٌ فَتَرَكُوهَا، وَإِذَا رَأَوُا الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ قِنَاعٍ قَالُوا: هَذِهِ أَمَةٌ فَكَانُوا يُرَاوِدُونَهَا. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
.سُورَةُ يس:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
.قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}. الآية. [12].
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ:
«كَانَ بَنُو سَلِمَةَ فِي نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَأَرَادُوا أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ فَقَالَ لهم النبي صلى اللَّه عليه وسلم: إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ فَلِمَ تَنْتَقِلُونَ؟».- أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي: قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الشَّرْقِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الثوري، عن سعد بْنِ طَرِيفٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ:
«شَكَتْ بَنُو سَلِمَةَ إِلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بُعْدَ مَنَازِلِهِمْ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: عَلَيْكُمْ مَنَازِلَكُمْ، فَإِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ».
.قَوْلُهُ تَعَالَى: {قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}... [78].
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: إِنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ أتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم بِعَظْمٍ حَائِلٍ قَدْ بَلِيَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتُرَى اللَّهُ يُحْيِي هَذَا بَعْدَ مَا قَدْ رَمَّ؟ فَقَالَ:
«نَعَمْ وَيَبْعَثُكَ وَيُدْخِلُكَ النَّارَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَاتِ:
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ}.- أَخْبَرَنَا سعيد بن محمد بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي مَالِكٍ:
«أَنَّ أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ جَاءَ إِلَى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بِعَظْمٍ حَائِلٍ فَفَتَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَبْعَثُ اللَّه هذا بعد ما أَرَمَّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ يَبْعَثُ اللَّهُ هَذَا وَيُمِيتُكَ ثُمَّ يُحْيِيكَ ثُمَّ يُدْخِلُكَ نَارَ جَهَنَّمَ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ».